أكد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، أن الطريقة التى جرت بها ثورة يناير
لا يمكن أن يصدقها أحد، حيث إنها جرت على طريقة مولد نجم فى الفضاء، فثورة
يناير مختلفة عن الثورات الأخرى سواء فى ظروفها وطريقتها، مؤكدا أنه قرأ
عن الثورة الفرنسية ودرس الشيوعية وحضر الإسلامية ورأى ثورة الضباط
الأحرار عن قرب ولكن ثورة يناير كانت مختلفة كل الاختلاف فهى تطوير أرقى
لثورة 1919.
أضاف هيكل خلال حواره الخاص مع الإعلامى محمود سعد، أنه كان يتصور أن
البلد فى أوضاعه الجارية سوف يصل إلى الانفجار بسبب كمية التناقدات التى
كانت موجودة، بالإضافة إلى الآمال المكبوتة والمشاكل والفساد والقانون
الذى تم تقنينه ليخدم رغبات أشخاص وكنت أتوقع هذا الانقلاب خاصة فى وجود
القبضة البوليسية الخارقة بهذا الشكل.
وأشار هيكل إلى أن أهم أسباب الثورة وجود دولة الفساد والقهر الذى عانى
منه المواطنون، بالإضافة إلى تغير العالم من حولنا ونحن فى مؤخرته وتجميد
الحياة السياسية فى مصر وجفاف بحرها لعدم قدرة الأحزاب والجماعات
والتيارات الموجودة على تغيير إجراء واضح، مؤكدا أننا أمام ثورة قام بها
شباب استطاع استخدام وسائل زمنه واستيعابها ولكنها ثورة بلا دليل نظرى أو
علمى بمعنى أنها لم يكن هناك فكر يمهد لها أو مرجعية كالثورة الفرنسية أو
الشيوعية أو الإسلامية كما كانت بلا قيادة أو منقذ كما يحدث فى التحولات
الكبرى، خاصة وأن كل القوى والجماعات الموجودة فى مصر كانت قد إستهلكت أو
استنزفت أو فشلت.
وقال هيكل "لم أكن أتصور أن هناك كتلة من الشباب فى هذا الزمن تشجع وكسر
حاجز الخوف من البطش البوليسى والإحباط واليأس مما تسبب فى حالة الانفجار
الذى أخشى أن يكون غير منظم وهذا هو مصدر الخطر لأننى فى الأسبوع الأول من
الثورة كنت متفائلا بلا حدود وبعدها بدأت أشفق وأستوعب وبدأت أقلق بعد أن
أدركت وجود مخاطر.
وأضاف هيكل "ما حدث للرئيس السادات فى الظروف التى كنا نعيشها أثار حالة
قلق ولذلك عندما اختار حسنى مبارك بعده تصور الناس أنه جاء ليعطى
الطمأنينة وتصورت أنه سيمكث 4 سنوات فقط ولكن عندما رشح نفسه لفترة ثانية
طلب منى بعض مساعديه ومنهم أسامة الباز تأييد ترشيحه فكتبت بعد تردد فى
أخبار اليوم أننى أؤيد شرط أن تكون مدة ثانية وأخيرة ولكن السلطة
الفرعونية فى مصر مغرية جدا فالرجل الذى رأيته فى بداية توليه النظام ليس
هو الرجل الذى انتهى ولم أكن أن أريد استمراره فى الحكم ولكنه أصر على
البقاء لفترة ثالثة ورابعة وخامسة وبدأ التفكير فى تولى ابنه".
وأكد هيكل أن ثورة 25 يناير أعطت أملا لأنها لم تتم لتنحية رجل أو إقصائه
فهذا مفهوم خاطئ لأنها عملية مستمرة بمعنى أنك تريد أن تنتقل من وضع لآخر
وليس من رجل إلى رجل وهذا هو مصدر القلق.
ورصد هيكل عدة مشاهد تصف يوم الجمعة الذى خرج فيه الشعب المصرى للاحتفال
بالنصر والتأكيد على مطالبه، حيث أشار إلى أن المشهد الأول يتلخص فى أن
هناك ثورة مستمرة وأن الشباب والقوة الفاعلة التى صنعت الثورة موجودة فى
الساحة والجماهير حاضرة ومشاركة وفاعلة وهذا ما يطمئن أن الناس تفهم أن
الثورة لم تكن لخروج رجل والمشهد الثانى وجود ثورة أخرى موجهة التى خرجت
من ميدان مصطفى محمود للوفاء للرئيس لافتة للنظر لأنها ضمت نوعين وهم أناس
حسنو النية من منطلق كبر سنه ومرضه والخوف على المستقبل وأناس أخرى غير
حسنى النية يؤكدون على أن هذه المظاهرة موجهة من شرم الشيخ من خلال رجال
تم الاضرار بمصالحهم بسبب خروج الرئيس فى هذه الظروف الملتبسة فالاتصالات
لم تنقطع حتى الآن مع شرم الشيخ وهناك قوة أخرى حاضرة فى شرم الشيخ أزعم
أنها من بعض العناصر الإقليمية والأجنبية التى تهتم بما يجرى هناك.
وعن المشهد الثالث أشار هيكل إلى أنه يصف قوى الجيش فى ميدان التحرير وهى
توزع الأعلام وتحتفل مع الشعب والمشهد الرابع الذى يوضح محاولة بعض القوى
توجيه ما يحدث لصالحها وظهر ذلك فى وجود منصة فى الميدان يريد البعض إدارة
الأمور من فوقها منها الإخوان المسلمين بالإضافة إلى مجىء الشيخ القرضاوى
رغم ظروفه المرضية الشديدة والذى تكلم بعقل وحكمة ولكن هناك آخرين أرادوا
الإيحاء لنا بأنه الخومينى الذى عاد بعض طول سفر والجماهير متشوقة لرؤيته
ولذلك عندما أرادوا ترديد هتافات خاصة بهم رفضت الجماهير القوية ذلك ووحدت
الهتاف لصالح مصر كلها.
وأكد هيكل أن المشهد الخامس هو مجلس الوزراء الذى يرأسه الفريق أحمد شفيق
وهو رجل يحاول أن يكمل ويهندس وزرات مختلفة كانت موجودة فى السابق ومعظم
الصالحين لها يرفضونها لأن الصورة مختلطة على الناس جميعا ولذلك شفيق
أمامه مشكلة كبيرة وهذا ما يقلق لأننا نحتاج إلى سلطة تنفيذية قادرة على
إدارة الأزمة وهذا صعب بسبب تعطل المصالح وحركات البيع والشراء وغيرها
مضيفا أن المشهد السادس يصف المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى تفاجئ بما
حدث ويحاول السيطرة على الأمور والدفاع عن الحدود وأمن مصر فى الوقت نفسه
بالإضافة إلى أنه يرفض الظهور فى موضع السلطة رغم شرعيته.
والمشهد السابع وهو الأهم يصف موقع شرم الشيخ الذى آن الأوان لزوال هذه
البقعة نهائيا بسبب استغلال الكثير له من بينهم الرافضين لخروج الرئيس
والحريصين على وجوده والذين وصفوه بأنه كنز استراتيجى لإسرائيل وشرم الشيخ
لم تكن يوما منتجع سياحى فى فترة إقامته بها وإنما هى خطة تأمين الدولة
البوليسية والرئيس من وقت معين لأنها تعد مكانا مفتوحا لا يستطيع فيها أحد
الإمساك به أو الإضرار به وبعيد عن الكتل السكانية ومواقع تمركز الجيش
وقريب من البحر وبه مطار وقريب من إسرائيل بالإضافة إلى القوات الأمريكية
الموجود فوق سيناء طبقا لاتفاقية كامب ديفيد شمال شرم الشيخ وبقاء الريس
فى شرم الشيخ ومن حوله يخلق مركز مناور للثورة لا داعى له فى هذا الوقت
ومن الممكن أن يؤدى إلى تضارب الولاء.